فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَقال الذين ءامَنُواْ} يعني: المؤمنين المظلومين {إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} يعني: يظلمون غيرهم، حتى تصير حسناتهم للمظلومين، فخسروا أنفسهم {وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} قال بعضهم: هذه حكاية كلام المؤمنين في الآخرة، بأنهم يقولون ذلك، حين رأوا الظالمين، الذين خسروا أنفسهم.
وقال بعضهم: هذه حكاية قولهم في الدنيا، فحكى الله تعالى قولهم، وصدقهم على مقالتهم فقال: {أَلاَ إِنَّ الظالمين في عَذَابٍ مُّقِيمٍ} يعني: دائم وقال بعضهم هذا اللفظ، لفظ الخبر عنهم، والمراد به التعليم، أنه ينبغي لهم يقولوا هكذا يعني: يصبروا على ظلمهم.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَاء} يعني: لا يكون للظالمين يوم القيامة مانع يمنعهم من عذاب الله {يَنصُرُونَهُم مّن دُونِ الله} يعني: يمنعونهم من عذاب الله {وَمَن يُضْلِلِ الله} يعني: يضله الله عن الهدى {فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} إلى الهدى من حجة.
ويقال: ما له من حيلة.
قوله عز وجل: {استجيبوا لِرَبّكُمْ} يعني: أجيبوا ربكم في الإيمان، وفيما أمركم به {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ} يعني: لا رجعة له، إذا جاء لا يقدر أحد على دفعه {مِنَ الله} ويقال: فيه تقديم.
يعني: من قبل أن يأتي من عذاب الله، يوم لا مرد له.
يعني: لا مدفع له {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} يعني: ما لكم من مفر، ولا حرز يحرزكم من عذابه {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} يعني: من مغير، يغير العذاب عنكم.
قوله عز وجل: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عن الإيمان، وعن الإجابة، بعد ما دعوتهم {فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} تحفظهم على الإيمان، وتجبرهم على ذلك {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} يعني: ليس عليك، إلا تبليغ الرسالة، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال، ثم قال: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} يعني: أصبنا الإنسان منا رحمة {فَرِحَ بِهَا} أي بطر بالنعمة.
قال بعضهم: يعني: أبا جهل.
وقال بعضهم: جميع الناس، والإنسان هو لفظ الجنس، وأراد به جميع الكافرين، بدليل أنه قال: {وَإِن تُصِبْهُمْ} ذكر بلفظ الجماعة يعني: إن تصبهم {سَيّئَةٌ} يعني: القحط والشدة {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} يعني: بما عملوا من المعاصي {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} لنعم الله.
يعني: يشكو ربه عند المصيبة، ولا يشكره عند النعمة.
قوله تعالى: {للَّهِ مُلْك السماوات والأرض} يعني: القدرة على أهل السماوات والأرض {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} على أي صورة شاء {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا} يعني: من يشاء الأولاد الإناث، فلا يجعل معهن ذكورًا {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} يعني: يعطي من يشاء الأولاد الذكور، ولا يكون معهم إناث {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثا} يعني: من يشاء الأولاد الذكور، والإناث {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} فلا يعطيه شيئًا من الولد ويقال: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا} كما وهب للوط النبي {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} كما وهب لإبراهيم عليه السلام {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثا} كما جعل للنبي صلى الله عليه وسلم، وكما وهب ليعقوب عليه السلام {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} كما جعل ليحيى، وعيسى عليهما السلام {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} يعني: عالم بما يصلح لكل واحد منهم. قادر على ذلك.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} يعني: لأحد من خلق الله {أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} يعني: يرسل إليه جبريل، ليقرأ عليه.
ويقال: {إِلاَّ وَحْيًا} يعني: إلهامًا ويقال: يسمع الصوت فيفهمه وذلك، أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا يكلمك الله، أو ينظر إليك، إن كنت نبيًّا كما كلم موسى فنزل {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله} يعني: ما جاز لأحد من الآدميين، أن يكلمه الله، إلا وحيًا يعني: يسمع الصوت، أو يرى في المنام، ولا يجوز أن يكلمه مواجهة عيانًا في الدنيا.
{أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} فيكلمه، كما كلم موسى {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} كما أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} يعني: فيرسل بأمره.
ويقال: {بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} من أمره.
قرأ نافع وابن عامر {أَوْ يُرْسِلَ} بضم اللام وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم، فمعناه أو هو يرسل رسولًا، ومن قرأ بالنصب، فعلى الإضمار أيضًا، ومعناه أو يرسل رسولًا {فَيُوحِىَ} قرأ نافع وابن عامر فيوحي بسكون الياء، ومعناه أو هو يرسل رسولًا فيوحي وقرأ الباقون بالنصب {فَيُوحِىَ} لإضمار أن {إنه عليٌّ حكيم} يعني: أعلى من أن يكلم أحدًا في الدنيا مواجهة، ولا يراه فيها أحد عيانًا {حَكِيمٌ} حكم ألا يكلم أحدًا في المواجهة، ولا يراه أحد.
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} يعني: جبريل بأمرنا.
ويقال: أوحينا إليك روحًا، يعني: القرآن.
وقال القتبي: الروح روح الأجسام، ويسمى كلام الله تعالى، روحًا لأن فيه حياة من الجهل، وموت الكفر كما قال: {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِى الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} [غافر: 15] ثم قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا}.
{مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} يعني: ما كنت تدري قبل الوحي، أن تقرأ القرآن، ولا تدري كيف تدعو الخلق إلى الإيمان.
{ولكن جعلناه نُورًا} يعني: أنزلنا جبريل بالقرآن.
ضياء من العمى، وبيانًا من الضلالة.
فإن قيل سبق ذكر الكتاب والإيمان ثم قال: {ولكن جعلناه نُورًا} ولم يقل جعلناهما؟ قيل له: لأن المعنى هو الكتاب، وهو دليل على الإيمان.
ويقال لأن شأنهما واحد كقوله: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً وآويناهما إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قرار وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] ولم يقل آيتين ويقال: {ولكن جعلناه نُورًا} يعني: الإيمان كناية عنه، ولأنه أقرب.
{نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} يعني: نوفق من نشاء للهدى، من كان أهلًا لذلك {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} يعني: لتدعو الخلق إلى دين الإسلام.
قوله عز وجل: {صراط الله} يعني: دين الله {الذي لَهُ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض} من خلق {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الامور} أي: ترجع إليه عواقب الأمور، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُواْ}.
والقنوط الإياس، قاله قتادة.
قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: جدبت الأرض وقنط الناس فقال: مطروا إذن. والغيث ما كان نافعًا في وقته، والمطر قد يكون ضارًا ونافعًا في وقته وغير وقته.
{ويَنشُرُ رَحْمَتَهُ} بالغيث فيما يعم ويخص.
{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} فيه وجهان:
أحدهما: الولي المالك، والحميد مستحق الحمد.
الثاني: الولي المنعم والحميد المستحمد.
قوله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه الحدود على المعاصي، قاله الحسن.
الثاني: أنها البلوى في النفوس والأموال عقوبة على المعاصي والذنوب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ ابنَ آدَمَ خَدْشُ عُوْدٍ وَلاَ عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلاَ اخْتِلاَجُ عِرْقٍ إِلاَّ بِذَنبٍ وَمَا يَعْفُو عَنهُ أَكْثَرَ» وقال ثابت البناني. كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا.
ثم فيها قولان:
أحدهما: أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم؛ وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم.
الثاني: عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم وللأطفال في غيرهم من والدٍ أو والدة، قاله العلاء بن زيد.
{وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} فيه وجهان:
أحدهما: عن كثير من المعاصي أن لا يكون عليها حدود، وهو مقتضى قول الحسن.
الثاني: عن كثير من العصاة وأن لا يعجل عليهم بالعقوبة.
قال علي رضي الله عنه: ما عاقب الله به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه العقوبة يوم القيامة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة.
قوله عز وجل: {وَمِن ءايَاتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كالأعلام} قال مجاهد هي السفن في البحر {كالأعلام} أي كالجبال، ومنه قول الخنساء:
وإنَّ صَخْرًا لتأتَمُّ الهُدَاةُ به ** كأنَّه علمٌ في رأسِه نار

{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} أي وقوفًا على ظهر الماء، قال قتادة: لأن سفن هذا البحر تجري بالريح. فإذا أمسكت عنها ركدت.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} صبار على البلوى، شكور على النعماء.
قال قطرب: نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعْطِي شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر.
قال عون بن عبد الله: فكم من منعم عليه غير شاكر، وكم من مبتلٍ غير صابر.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُواْ} معناه يغرقهن بذنوب أهلها.
{ويَعْفُ عَن كَثِيرٍ} من أهلها فلا يغرقهم معها.
{مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} فيه وجهان:
أحدهما: من فرار ومهرب، قاله قطرب.
الثاني: ملجأ، قاله السُدي مأخوذ من قولهم حاص به البعير حيصة إذا مال به، ومنه قولهم فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ} قال عبد الرحمن بن زيد: هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم قبل الهجرة اثني عشر نقيبًا منهم.
{وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ} فيها وجهان:
أحدهما: أنه المحافظة على مواقيتها، قاله قتادة.
الثاني: إتمامها بشروطها، قاله سعيد بن جبير.
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} فيه أربع أوجه:
أحدها: أنهم كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه ثم عملواْ عليه فمدحهم الله تعالى به، قاله النقاش.
الثاني: يعني أنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون فمدحوا على اتفاق كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم.
الثالث: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وورود النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له، قاله الضحاك.
الرابع: أنهم يتشاورون فيما يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم بخير دون بعض.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُم يُنفِقُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يريد به أداء الزكاة من أموالهم، قاله السدي.
الثاني: إنفاق الحلال من أكسابهم، وهو محتمل.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُم الْبَغْيُ هُم يَنتَصِرُونَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أصابهم يعني المشركين على دينهم انتصروا بالسيف منهم. قاله ابن جريج.
الثاني: أصابهم يعني باغ عليهم كره لهم أن يستذلوا، فإذا قدروا عفوا، قاله إبراهيم.
الثالث: إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزايلوه عنهم ويدفعوه عنهم، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فيه قولان:
أحدهما: أنه محمول على الجراح التي تتمثل في القصاص دون غيرها من سب أو شتم، قاله الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان.
الثاني: أنه محمول على مقابلة الجراح، وإذا قال أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله، ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب، قاله ابن أبي نجيح والسدي. وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها وأنها عند المعاقب بها سواء.
{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فأذن في الجزاء وندب إلى العفو.
وفي قوله: {وأَصْلَحَ} وجهان:
أحدهما: أصلح العمل، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: أصلح بينه وبين أخيه، قاله ابن زياد، وهذا مندوب إليه في العفو عن التائب دون المصرّ. روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ. مَن كَانَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ، فَيُقال مَن ذَا الَّذي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَقولونَ العَافُونَ عَنِ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ».
{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظّالِمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: الظالمين في الابتداء، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: المعتدي في الجزاء، قاله ابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي استوفى حقه بنفسه.
{فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} وهذا ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون قصاصًا في بدن يستحقه آدمي فلا حرج عليه فيه إذا استوفاه من غير عدوان، وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفرده بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدماء، وإن كان حقه غير ثابت عند الحكام فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج وهو في الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ.
والقسم الثاني: أن يكون حدًّا لله لا حق فيه لآدمي كحد الزنى وقطع السرقة. فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نظر فإن كان قطعًا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق إلا التعزير أدبًا، وإن كان جلدًا لم يسقط به الحد لتعديه به مع بقاء محله وكان مأخوذًا بحكمه.
القسم الثالث: أن يكون حقًا في مال فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان من هو عليه عالمًا به، وإن كان غير عالم نظر، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه، وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه مع عدم بينة تشهد به ففي جواز الاستسرار بأخذه مذهبان: